تحت وقع الرجة القوية التي أحدثها وباء فيروس كورونا المستجد، الذي يستمر في الانتشار يوما بعد يوم، أخذت بلجيكا أخيرا بعين الاعتبار خطورة الوضع، لتقوم بتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات ستكون مدعوة لتدبير هذا الامتحان العسير.
وبعد تعثرها لأشهر طويلة في المفاوضات الحكومية التي لا نهاية لها، وسط خلافات عميقة ذات صبغة سياسية ومجتمعية بين مختلف الأحزاب، أضحت البلاد تتوفر على ائتلاف فيدرالي مدعوم بأغلبية برلمانية، قصد تقديم إجابة ناجعة ومنسقة لهذه الأزمة الصحية غير المسبوقة.
هكذا، وبفضل اتفاق بين عشرة أحزاب سياسية، أصبحت هذه الحكومة كاملة الصلاحيات ممكنة، عبر تمكين حكومة تصريف الأعمال من “سلطات خاصة” لمدة أقصاها ستة أشهر، من أجل كبح انتشار وباء فيروس كورونا والتخفيف من تداعياته السوسيو-اقتصادية.
وستمكن هذه “السلطات الخاصة” الحكومة، من خلال مراسيم ملكية، من أن تقرر، على نحو عاجل، ماهية التدابير اللازمة، دون المرور عبر البرلمان، ومن ثم، تجنب المسطرة التشريعية طويلة المدة. وهذا ما كان عليه الحال، سنة 2009 إبان حكومة فان رومبوي لمكافحة وباء إنفلونزا “إش 1 إن 1”.
وفي الوقت الذي لم يكن أحد يتحدث عند نهاية الأسبوع على إمكانية تشكيل حكومة “طوارئ” تجمع بين الحزبين السياسيين الرئيسيين في البلاد، الحزب الاشتراكي الفرونكفوني والحزب الوطني الفلاماني، بعد تسعة أشهر ونصف على مرور انتخابات الـ 26 ماي الماضي، يتضح أنه لا زال من السابق لأوانه التوفيق بين هذين الحزبين.
وفي مواجهة صعوبة الوضع وضغط الوقت، اتضح أن الخيار الحكيم هو الإبقاء على الفريق الفيدرالي القائم حاليا، بغية اتخاذ التدابير التي تستدعيها خطورة الأزمة.
وستحظى هذه الحكومة التي تتألف من أحزاب الائتلاف الفيدرالي الحالي، أي الحزب الفرونكفوني “الحركة الإصلاحية”، والمسيحيون- الديمقراطيون الفلامانيون، والليبراليون -الديمقراطيون الفلامانيون، والتي ترأسها رئيسة الوزراء في حكومة تصريف الأعمال، صوفي ويلميس، بدعم عدة أحزاب في البرلمان.
فإذا كانت ستتوفر على صلاحيات كاملة، فإن هذا الائتلاف الفيدرالي سيمارس وظائفه في إطار برنامج يقتصر على مكافحة فيروس كورونا وتدبير آثاره السوسيو-اقتصادية والميزانية المترتبة عن الوباء.
ومما لا شك فيه أن هذا السياق الاستثنائي هو الذي أتاح تشكيل هذه الحكومة، وبالتالي فإن أحزاب سياسية فرونكفونية وأخرى ناطقة بالهولندية التي تتعارض في كل شيء، قد وضعت خلافاتها جانبا لتحتكم إلى منطق الحكمة والعقلانية.
ويأتي هذا التوافق الوطني للتذكير بأن الساعة قد حانت للاتحاد من أجل ربح المعركة ضد فيروس كورونا، الوباء الذي خلف آثارا وخيمة في العالم بأسره.
وأجمعت وسائل الإعلام البلجيكية على الإشادة بهذا التوافق السياسي، مؤكدة أنه، وفي مواجهة استعجالية الوضع، كانت ردة الفعل هاته، المقاربة التي يتعين نهجها بغية تخفيف التبعات.
وهكذا، كتبت يومية “لو سوار” أن “حكومة ويلميس في تصريف الأعمال، ينبغي أن تبقي يدها على تدبير أزمة فيروس كورونا إلى حين تأكيد لجنة الخبراء أن الأسوأ تم تجاوزه”.
كما نوهت الصحيفة بارتفاع معدل شعبية رئيسة الوزراء، صوفي ويلميس، بعد ترؤسها لمجلس الأمن القومي، الذي أعلنت عقبه عن تدابير صارمة غايتها الحد من انتشار وباء فيروس كورونا في البلاد.
وأضحى يتعين على السيدة ويلميس، التي كلفها العاهل البلجيكي الملك فيليب، أمس الاثنين، بتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات، أن تحظى بثقة البرلمان قبل تسلم حكومتها لمهامها التي سيكون عليها تدبير أزمة فيروس كورونا، من خلال اعتماد مقاربة منسقة ومتشاور بشأنها على جميع مستويات السلطة.
ويشكل هذا الأمر تحديا وازنا بالنسبة لبلجيكا التي توجد في مواجهة تفشي خطير لـ “كوفيد-19″، علما أن البلاد تجاوزت عتبة 100 حالة عدوى (1085 حالة تم تسجيلها رسميا و10 وفيات”.
وكان مجلس الأمن القومي البلجيكي، قد قرر ، وإلى غاية 3 أبريل المقبل، إغلاق المدارس والأماكن العمومية وتعليق جميع الأنشطة الترفيهية، الرياضية، الثقافية والفلكلورية، سواء كانت عامة أو خاصة و”مهما كان حجمها”، وذلك بهدف الحد من انتشار فيروس كورونا في البلاد. كما يشمل هذا الإجراء، المفروض على كامل التراب البلجيكي، المقاهي، والمطاعم، والنوادي الرياضية، ودور السينما، وقاعات العرض، والحفلات الخاصة وجميع الأماكن العمومية.
كما دعا العاهل البلجيكي الملك فيليب، في خطاب تم بثه على شاشة التلفزيون، أمس الإثنين، الشعب البلجيكي إلى التضامن من أجل التغلب على أزمة “كوفيد- 19″، داعيا الشباب على وجه التحديد، إلى إظهار روح المسؤولية في احترام التعليمات الوقائية الرامية للحد من انتشار الوباء. كما أهاب بالبلجيكيين التصرف بمسؤولية وبسخاء وتضامن اتجاه الفئات الأكثر هشاشة.
المصدر : https://wp.me/p5M2ON-ko