بإحساس فني مرهف يتناغم مع فرشاتها، تطوع الفنانة التشكيلية المغربية أم كلثوم الكتاني، المقيمة في أرض الكنانة، في لوحاتها ألوانا زاهية لتصنع منها متعة خاصة للناظر، مسافرة به في رحاب دروب وحواري عتيقة.
يخال المرء عندما يشاهد لوحاتها أنه مسافر في عوالم جغرافية مختلفة، من فاس إلى مراكش إلى القاهرة ثم دمشق وبيروت وجدة، تشكيلات فنية متنوعة ترصد دروبا وأزقة ضيقة وشوارع متراصة بعناية، تربطها أقواس متلاحقة تعلوها شرفات تتدلى منها أغصان ونباتات بألوان الربيع تارة وبألون الخريف تارة أخرى.
يتكرر المشهد كثيرا في معظم الأعمال الفنية لأم كلثوم، أبواب عتيقة تقابلها نوافذ يعلوها قرميد أخضر وأحمر، تطل باستحياء على حواري وأزقة تهبط وتنحني وتدور، تتخللها “سقايات” مزخرفة ب”الزليج البلدي” رمز الأصالة المغربية.
مخزون بصري يشدك، منذ الوهلة الأولى، لاستكشاف أسلوب موحد في إبداع لوحات تشكيلية متنوعة يميز أم كلثوم عن غيرها من الفنانين التشكيليين، مستعينة بخيال فني باهر في رصد الأمكنة بألوان طبيعية مختلفة.
الرجل حاضر في أعمالها والمرأة هي الأخرى موجودة بشكل جلي وملموس إن في الخطوط والأشكال أو في الألوان الباسقة، التي تروي قصص قصبات ومدن عتيقة محصنة بالحب والنقاء والألفة في زمن غابر.
لوحات يطغى عليها لون السماء والبحر، ولون الطين الذي يتمازج مع الأخضر لون النماء.. كلها سمفونية من الألوان والأشكال تميز لوحات أم كلثوم الكتاني، وتنطوي على تخاطب وجداني مع ذاكرة الأمكنة، صانعة عالما في رحاب التاريخ، بحس تعبيري فني لافت.
الدروب والحواري في لوحات أم كلثوم تستشف من خلالها مسارات غير متناهية بحثا عن حنين الماضي، ودفء مفقود لا تعثر عليه في صخب المدينة الحديثة، أزقة شاهدة على شخوص، مازالوا في عالمنا أو رحلوا عنه، وعلى تقاليد وعادات، يمتزج فيها الألم بالفرح تارة، والحزن بالأمل تارة أخرى.
وأم كلثوم الحاصلة على البكالوريوس في اللغة من جامعة أم القرى بجدة ودبلوم الدراسات العليا في النقد الأدبي والبلاغي من جامعة محمد الخامس بالرباط، استهواها التشكيل منذ طفولتها، وعشقته إلى حد النهم حتى أصبح روحا يسكن وجدانها ومخيالها الفني.
سافرت إلى دول عربية كثيرة بحكم ظروف عمل والدها، قبل أن تستقر في قاهرة المعز قبل عشرين سنة. ونهلت من ثقافات عربية وتأثرت ببيئاتها المختلفة وخصوصياتها المحلية.
وعند استقرارها بأرض الكنانة، انشغلت أم كلثوم بالفن ولا شيء سواه، فتتلمذت على يد مجموعة متميزة من فناني وأساتذة كلية التربية الفنية بالزمالك وفي مقدمتهم الفنان أحمد عبد الغني الذي كان له عظيم الأثر في تشجيعها على مواصلة مسارها الفني والمشاركة في معارض بالسعودية والكويت والإمارات ومصر، جماعية كانت أو خاصة.
تقول أم كلثوم الكتاني، في لحظة بوح لوكالة المغرب العربي للأنباء، بمناسبة افتتاح معرضها الخاص الذي اطلقت عليه اسم “دروب” خلال الفترة ما بين 13و21 دجنبر الماضي بمقر السفارة المغربية في القاهرة، “هذا العالم القديم المليء بالسحر والوهج والألوان ترسخ في ذاكرتي وبصيرتي منذ كنت طفلة أجري في الحارات العتيقة لدمشق وحماة وحلب، وشوارع القاهرة القديمة، وأزقة فاس ومراكش الحمراء وشفشاون الزرقاء”.
وأضافت أن مرورها بعدة بلدان عربية شكل رافد حيويا تشبعت من خلاله بتلك القواسم المشتركة التي تختزن ذاكرة الأمكنة وبعدها الروحي وأصالتها وقيمها الثقافية المتنوعة وهو “ما منحني”، تردف أم كلثوم، “زادا بصريا وجماليا أحرص على النهل منه في تشكيل لوحاتي”.
تقول أم كلثوم، مسترسلة في حديثها .. “حينما أكتشف زقاقا أو حارة أو ممرا عتيقا، اشتم فيه ذاكرة المكان، وأعبر عنها بفرشاتي وألواني لأرصد سحرها وصفاءها وتناغمها لعلي أجد واحة أحط فيها رحالي للحظات بعيدا عن صخب المدن الحديثة وضجيجها”.
المصدر : https://wp.me/p5M2ON-bA