أمال اليحياوي.. حين يغدو فن الإنصات والتواصل تجسيرا للمسافة بين بلد الإقامة والوطن

هيئة التحرير
2020-03-04T00:45:54+01:00
مغربيات المهجر
هيئة التحرير4 مارس 2020آخر تحديث : منذ 4 سنوات
أمال اليحياوي.. حين يغدو فن الإنصات والتواصل تجسيرا للمسافة بين بلد الإقامة والوطن
بوابة مغاربة العالم

حرقة حنين لا تنطفئ لوطن يغزو دواخل الروح، يلغي حدود الجغرافيا، يحضر في أدق التفاصيل اليومية، ويوجه بوصلة الإنجاز لتكون كل أدواتها في خدمته؛ بل تغدو بالنسبة للناشطة الجمعوية أمال اليحياوي إجادة فن التواصل والإنصات لنبض هذا الرابط القوي لدى الذات والآخرين من بني جلدتها في بلد المهجر تجسيرا لكل المسافات مهما نأت، وحافزا لإقامة دائمة في قلب انشغالات مغرب لن تغيب إطلاقا شمس حضوره البهي عن المخيلة.

تؤكد السيدة اليحياوي رئيسة اللجنة النسائية في رابطة الجالية المغربية في قطر، والمقيمة في الدوحة منذ 13 عاما، في بوح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن الوطن “ليس مجرد جنسية أو جواز سفر يسمح لنا بتخطي الحدود، وإنما هو مجموعة إنسان”؛ حزمة بناء هوية، ووجود حقيقي لكينونة الذات بامتداداتها في علاقاتها بفضاءات أمكنة هذا الوطن بكل ما لها من حمولات تعز عن الحصر، وروابطها ب”الآخر” ضمن هذه الفضاءات باختلاف درجات القرابة منه، وما يتصل بكل ذلك من سياقات يحكمها التاريخ والثقافة وانشغالات وتطلعات الآن والاستقبال. اندغام كلي لا يمكن فصل أي من مكوناته عن بعضها، لأنها في النهاية حالة وجود قد تقبل التصنيف، لكنها بالتأكيد غير قابلة للتجزيء أو المساومة، وقطعا يستحيل استبدالها أو التخلي عنها.

ومن هذه الزاوية، ترى اليحياوي، الكاتبة العامة لمجلس مغربيات العالم (مجلس معترف به دوليا مسجل لدى السلطات الألمانية ومقره في مومنهايم)، أن من مسؤوليات إدراك عمق هذه اللحمة، والإيمان بها وتغذيتها حفاظا عليها مهما بعدت المسافات، أن يغدو الاشتغال للسمو بها فرض عين وواجبا مقدسا.

وشددت على أن هذا الاشتغال لن يتأتى على الوجه المطلوب إلا عبر البدء بشحذ قدرات الذات الفردية لتكون مؤهلة للانخراط في حلقات الإنتاج والمساهمة والتمثيل المشرف للبلد، وفقا لآلية قيمية تضع الوطن في الصدارة. وتتظافر حولها كل مكونات جالية المغرب حول العالم، لتعزز بذلك الجهود المبذولة داخله، وبوحي منها وت ر س ما لخطواتها، وبانسجام تام مع الاستراتيجيات الوطنية المعتمدة والأهداف المرسومة.

ولن يكون من الممكن، برأيها، توحيد سمفونية البناء واستدامة تلك الشعلة المتقدة باتجاه بلوغ تلك الأهداف في مختلف مراحلها التأسيسية، إلا بتوسيع دائرة المساهمين فيها وتحفيز الخطو باتجاه هندسة وتصور وتنفيذ مختلف فصولها، وتحقيق ذلك التراكم القادم عبر كل المسافات، والتنسيق بين أطرافه بالتواصل والإنصات المستمر والمتبادل.

حلقات متواصلة متظافرة في عطائها بين اجتهادات الداخل والخارج، منذور لها أن تظل كذلك، لا ينقطع تدفقها، بل مفروض أن يزداد زخمها، وفي القناعة الراسخة إيمان عميق، ب”أن المغرب ينتظر الكثير من أبنائه ويستحق الأفضل، وأن أولوية العلاقة الصحيحة بالبلد الأم ينبغي أن يكون م نطلقها سؤال محوري وهو ما الذي يتعين على كل فرد أن يقدمه لهذا البلد قبل أن يساوم حول ما عليه أن يأخذ”.

ولعل أبسط ما يمكن أن يكون فاعلا، تصر الناشطة الجمعوية، هو أن يشتغل كل على ذاته لتصير أكثر قدرة على الابتكار والعطاء؛ عندها لن تكون لغيمة د ف ق العطاء أن ت هط ل دون أن يصيب خير ها، مهما بعدت المسافات، تربة الوطن، وينتقل ي ن ع ها إلى خضرته وتفوح بطيبها أركان ه.

معترك مفروض فيه، بالضرورة الحتمية الملازمة لكل تطور في عالم يسير بقفزات غير متأنية نحو المستقبل، أن يكون جزءا من حركة جهود يومية متواصلة، وليس انبعاثا موسميا، أو فقط حين تضيق بالأنفاس غربة المسافات القصية ويتأجج الحنين لدفء طفولة هاربة من زحف السنين.

معترك يفترض فيه، برأيها، أن يسجل تراكما فرديا وجماعيا متواصل الحلقات، لا تشوب التفاعل معه من أي طرف في داخل الوطن أو خارجه أدنى استهانة بأي جهد أو مساهمة أيا كانت، بل يتعين أن ترفد بالتشجيع والتحفيز، للدفع بها الى الأمام وخلق مزيد من التنافس البناء.

ووفاء لكل هذه الروابط وانسجاما مع ما يجري من تحولات في عالم اليوم وما هو مرتقب غدا، تؤكد السيدة اليحياوي، أخذت جملة من مبادرات لمغاربة العالم، في هذا الصدد، طريقها للتنفيذ، وأخرى ي ستج د السير لوضع آليات تنزيلها على أرض الواقع، بعضها على مستوى الجالية المغربية المقيمة في قطر، وأخرى على مستوى مجلس مغربيات العالم (ومنها إطلاق الصالون الثقافي الدبلوماسي)، وأخرى على مستوى آخر مبادرة، تم استحداثها وهي “تنسيقية كفاءات مغاربة العالم”، وجميعها تحركها رغبة اكيدة في أن يكون لها حظها من المشاركة الفاعلة في مسار جهود تحث خطاها لتحديث المغرب وتعزيز دينامية حضوره وإشعاعه إقليميا ودوليا.

ولعل مبادرة “تنسيقية كفاءات مغاربة العالم”، تتابع السيدة اليحياوي، “تمثل أحد ثمار ما تفتق عنه التقاء مجموعة من الكفاءات المغربية حول العالم خلال مشاركتها في احتفالات عيد العرش المجيد العام الماضي في المغرب”، موضحة أن هذه الكفاءات ارتأت عن قناعة ضرورة أن يكون للقائها خلال احتفالات تجديد البيعة ما بعده من قيمة مضافة، فكان إجماعها على توزيع جهودها بحسب التخصصات في إطار مجموعات عمل، بعضها للصحة، وأخرى للتكنولوجيا، والأخرى للاستثمار والأعمال والتجارة، ومجموعة خاصة بالشأن الثقافي والفني.

وسجلت أن كل مجموعة ستتولى، بحسب الاتفاق، الاشتغال ضمن تخصصها على خدمة بعض قضايا الشأن المغربي؛ كأن تنظم مجموعة الصحة حملات طبية مجانية في المناطق النائية التي تجد بعض الصعوبات في الولوج للخدمات الطبية. وتجتهد مجموعة الأعمال في إدخال فرص استثمارية والترويج لوجهة المغرب.

أما مجموعة الثقافة والفن فتعهدت بتوجيه حملات للتعريف بالثقافة والموروث المغربي بتنظيم أو المشاركة الفاعلة في ملتقيات ومهرجانات دولية داخل وخارج المغرب، وأيضا تخصيص مداخيل من ريع بيع بعض الأعمال الفنية لدعم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، بينما سيكون على مجموعة التكنولوجيا نقل التجارب الحديثة في هذا المجال سواء على مستوى التقنيات والآليات أو تدريب وتكوين الموارد البشرية.

وقالت إن العمل جاري من أجل أن يتم تنسيق هذه الجهود تحت مظلة الوزارة المنتدبة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج، وأن هناك لقاء مرتقبا عن قريب لهذا الغرض ما بين تمثيلية لهذه التنسيقية والوزيرة المسؤولة عن القطاع.

ووفق هذا المنطق المنتج للقيمة المضافة، اعتبرت أنه ينبغي القطع مع نظرة ذلك المهاجر الذي ينظر الى موطنه حين إيابه إليه في فترات الإجازة على أنه فقط محطة لاسترجاع الذكريات واقتناص متع الإجازات. فالوطن في النهاية “ليس منتزها لقضاء وقت مجتزأ من زمن بوصلت ه ضمان لقمة العيش خارج الحدود”. كما أن “المغترب العائد ليس فقط ما يحمله معه من عملة صعبة، وإنما العلاقة أعمق وأقوى”.

هي علاقة، من منظور هذه الفاعلة الجمعوية، يتجدد معها كل مرة الولاء المتبادل، وتتأكد فيها متانة الروابط. لافتة الى ان علاقة من هذا النوع لن تكون مجزية إذا لم يجشم العائد من وعثاء السفر نفسه جهد إرهاف السمع والإنصات إلى نبض الحاجات المستجدة لمجتمعه ويستحضر بإزائها بعضا من تجارب ناجحة في بلدان الإقامة قد يكون في طياتها ما يمكن أن يفيد، ويرأب بعضا من خصاص، يكون لاحظه في نواحي بعينها.

ووفقا لمعطى القرب المحسوس، يكون للمبادرة الفردية، تؤكد الباحثة في مجال الاستثمار بالهيئة العامة للتقاعد والتأمينات الاجتماعية بقطر (حكومية)، نصيبها ودورها في تصور وتنفيذ ما يمكن أن يكون ذا فائدة، مهما قل حجمها أو صيتها، وانحصرت دائرتها، لأن أهميتها بالتأكيد مغنم، وتأثيرها الإيجابي وارد حدوثه آجلا، إن لم يكن عاجلا.

وذلك المغنم، هو ما يعطي، برأيها، لتراكم التجارب، على ما قد يكون من محدوديتها، زخمها لتمثل الانتقال السليم والمتدرج الى ما يمكن أن يشكل خطوات بناء فعالة للمساهمة في تحقيق القفزات المنشودة في التنمية بجميع اوجهها، وعلى رأسها تنمية قدرات وكفاءات الفرد والرفع من همته كفاعل محوري في المسار التنموي العام.

وفي قلب هذه الاهتمامات، التي تحركها تجاربها كمغتربة وباحثة في مجال الهجرة، يحضر لدى أمال اليحياوي بقوة فن التشكيل عبر مشاركتها في عدة معارض في المغرب وقطر وبلغاريا، إلى جانب فن قرض الشعر، الذي سيتوج بأول ديوان لها سيصدر قريبا تحت عنوان “صرخة امرأة”.

وما بين إجازة مدعمة بدراسات عليا مستوى الماستر في لغة شكسبير، التي كان إتقانها مع اللغتين العربية والفرنسية جواز وصولها بامتياز عام 2017 إلى قطر للاشتغال في القطاع البنكي بعد مقابلة توظيف اجتازتها بالمغرب، وشهادات دولية راكمتها على مر سنوات من الاشتغال والدرس في مجال “الإدارة والتواصل والاستثمار وإدارة المال”، تكون أول مغربية يتم توظيفها منذ 2010 في قطاع حكومي قطري يمثل ثاني أكبر محفظة استثمارية بعد جهاز قطر للاستثمار (الصندوق السيادي).

وفي عمق رؤيتها كفاعلة جمعوية، يغدو إنصاتها لمشاكل الجالية المغربية في قطر، على وجه الخصوص، والاقتراب منها والتواصل اللحظي مع مختلف مكوناتها، ونقل الخبر الوطني الحامل لأهم منجز سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي، عبر ما تتيحه وسائل التواصل الفوري “واتس آب”، تكريسا لروح التضامن وإمساكا بجوهر المواطنة وعناقيد ثقافة وقيم البلد، وتجسيرا للمسافات الفاصلة بين بلد الإقامة والوطن.

المصدرو م ع
رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.